نزل القرآن في ليلة القدر في شهر الصوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى(( حم. والكتاب المبين . إنا أنزلناه في ليلة مباركة. إنا كنا منذرين. فيها يُفْرَقُ كل أمر حكيم. أمرا من عندنا. إنا كنا مرسلين )) وهو كلام الله تعالى تعبدنا بتلاوته، ولنا في كل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والقرآن لا يمل المسلم قراءته، ولا تشبع منه العلماء؛ فلا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه؛ فهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به نجا ومن حكم به عدل، وما تركه من جبار إلا قصمه الله عز وجل فيه نبأ ما قبلنا، وخبر ما بعدنا، هو القول الحق ليس بالهزل كتاب فصلت آياته من لدن حكيم خبير. من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن دعا به هُدِيَ إلى صراط مستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ومن ابتغى الهدى بغيره أضله الله، وأهل القرآن أهل الله وخاصته, والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.
والحديث عن فضل القرآن يطول ؛ فمن أراد أن يكلم الله، فليقرأ القرآن؛ للقرآن في رمضان متعة خاصة، وهو الشهر الذي تشرف بنزوله من بيت العزة في سماء الدنيا على النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء في ليلة القدر ثم تتابع نزوله منجما. وقد ورد في المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم (( الصيام والقيام يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم، فشفعني فيه، فيشفعان فيه ))
روى الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة من رمضان فقام يصلي فلما كبر قال: (( الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة )).
ثم قرأ البقرة ثم آل عمران ثم النساء، لا يمر بآية تخويف إلا وقف عندها...
لقد ورد في الحديث ( رواية عن أحمد بسند حسن عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ) أن الكتب الإلهية أنزلت في شهر رمضان ولكن القرآن خُصَّ بنزوله في أفضل ليلة منه (( أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان )) ورواه البيهقي في الشعب؛ ولذلك استدل بهذا الحديث كثير من الصحابة والتابعين على أن ليلة القدر هي ليلة أربع وعشرين، وقد تكون كذلك وقد تتنقل في العشر الأخير؛ فجدير بالمؤمن أن يكثر في شهر رمضان من تلاوة القرآن، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان – أي جبريل- يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وإن المسلم في رمضان يرتبط بكتاب الله تعالى أكثر من أي شهر آخر ؛ يتلوه صباح مساء فجرا ورواحا، ولمساجد المسلمين لها أزيز مثل أزيز النحل من القرآن الكريم؛ فلا تقتصر قراءته على الكبار، بل يتلوه الصغار والشباب، ويتنافس عباد الرحمان على ختم القرآن مرة أو أكثر. فالصوم في الحقيقة مدرسة يعيش فيها المؤمن مع كتاب الله تعالى، وتتوطد العلاقة بين القرآن والمسلم في شهر الصوم في العشر الأواخر منه ثم في المعتكف، وفي صلاة التهجد. فهنيئا لك يا قارئ القرآن.فالقلب الذي يهجر كتاب الله كالبيت الخَرِبِ ومن لا يتدبر كلام الله فلن يستعذب التلاوة استعذابا كاملا؛ فمن أقبل على القرآن بقلب خاشع وعين دامعة ولسان ذاكر؛ ودعاء ضارع وأذن واعية فقد وجد حلاوة لا يحصل عليها المتعجلون المارون على الآيات مرورا سريعا.
يا قارئ القرآن حسبك رفعة
أن الإله حبــاك بالقربان
في كل حرف طاعة ومسـرة
تحظى بها بمجالـس الرحمان
هذا الكتاب سـعادة أبدية
ما شـاء ربك عالم الأكوان
فاحرص عليه فإنه ذكر الورى
وبه تُنَال مضاربُ الإحسان
فاقرأه في الليل البهيم وفي الضحى
وقُبَيْلَ إشـراق النهار الداني
اللهم اجعلنا ممن يقبلون على كتابك تلاوة وتدبرا وعلما وعملا. اللهم انفعنا بما علمنا، وتقبل منا إنك أنت الرحيم الغفور وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين والحمد لله رب العالمين