[b]وظيفةُ الملائكةِ الحَفَظَة
يقولُ الله تعالى: ﴿الله يعلمُ ما تَحمِلُ كلُّ أنثى وما تَغيضُ الأرحام وما تَزدادُ وكلُّ شىءٍ عِندَهُ بمِقدار، عالِمُ الغيبِ والشهادَة الكبيرُ المُتعال سواءٌ منكم من أسرَّ القولَ ومن جهرَ به ومن هو مُستَخْفٍ بالليلِ وسارِبٌ بالنهار له معقِّباتٌ من بينِ يدِيهِ ومن خلفِهِ يَحفظونَهُ من أمرِ الله﴾[1].
إنَّ الله تعالى مُتَّصِفٌ بعِلمٍ أزلِيٍّ أبديٍّ كسائرِ صفاتِهِ لا يَقبلُ الزيادَةَ والنقصان حتى أنفاسُ أهلِ الجنَّةِ في الجنةِ وأهلِ النارِ في النار يعلَمُها لا تَخفى عليهِ خافية، وهو سبحانَهُ وتعالى يَعلَمُ ما تَحمِلُهُ كلُّ أنثى من ولَدٍ على أيِّ حالٍ هو من ذُكورَةٍ وأنثوثةٍ وتمامٍ وخِداجٍ[2] (أي الذي ليس له مَشيَةٌ سليمة) وحُسْنٍ وقُبحٍ وطولٍ وقِصَرٍ وغيرِ ذلكَ.
ويعلمُ ما تغيض الأرحام أي تُنقِصُهُ الأرحام ، وما تزدادُ أي يعلَمُ عددَ الوَلَدِ فيها فإنها تَشتَمِلُ على واحدٍ واثنينِ وثلاثةٍ وأربَعَةٍ ويعلَمُ هل جَسَدُ الولدِ يكونُ تامًّا أو مُخْدَجًا ويَعلَمُ مُدَّةَ حَملِهِ في بطنِ أمِّهِ فإنها تكونُ أقلَّ من تِسعَةِ أشهرٍ وأزيدَ عليها إلى أربَعِ سنينَ عندَ الشافعيِّ رحمه الله. وكلُّ شىءٍٍ يجري في هذه الدنيا والآخرة فهو بمشيئةِ الله يجري ويحصل ويكون لا يُجاوِزُ ذلك ولا يَنقُصُ عنه لقولِهِ تعالى: ﴿ إنا كلَّ شىءٍ خلقناهُ بِقَدَر﴾ وهو سبحانَهُ يعلَمُ ما غابَ عن الخلقِ وما شاهدوه، وهو سبحانَه أكبرُ من كلِّ كبيرٍ قدرًا وعَظَمَةً فهو
العظيمُ الشأنِ الذي كلُّ شىءٍ دونَهُ ، المُستعلي على كلِّ شىءٍ بقدرتِهِ الذي تنزَّهَ عن صِفاتِ المخلوقين. ويعلَمُ بحالِ من أسرَّ القولَ ومن جهرَ به وَمن هو مُستخفٍ أي مُتوارٍ بالليلِ ومن هو ساربٌ بالنهارِ أي ذاهبٌ فيه في سَرْبِهِ أي في طريقِهِ ووجهِهِ.
وله سبحانَهُ مُعقِّباتٌ أي جَماعاتٌ من الملائكَةِ تَعتَقِبُ في حِفظِهِ فَهُم يَحفظونَنا بإذنِ الله إلا مِمّا كتبَ الله أن يُصيبَنا، ولولا هؤلاءِ الملائكةُ الحَفَظةُ للعِبَ بنا الجِنُّ كما يُلعَبُ بالكُرَةِ لأنهم يروننا من حيثُ لا نراهُم. وهؤلاءِ الملائكةُ يتعاقبونَ علينا، عندَ الفجرِ يَنزِلُ جَماعةٌ منهم ثم في ءاخرِ النهارِ يصعدون ويَنزِلُ الآخرون وهكذا يَعقُبُ بعضُهُم بعضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار يجتمعونَ في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصر ثم يَعرُجُ الذينَ باتوا فيكم فيسألُهُم ربُّهم وهو أعلَمُ بهم كيفَ تركتم عِبادي فيقولون تركناهُم وهم يُصلّون وأتيناهم وهم يُصلّون)) رواه البخاريُّ ومسلم من حديثِ أبي هريرة. وبعضُ الملائكةِ الذي وكِّلوا بنا وكِّلوا بكتابَةِ ما نتكلّمُ به ثم يُمحى الكلامُ المباحُ وتُثبَتُ الحسناتُ والسيئات. والملائكةُ الحَفَظَةُ يَحفظونَ العبدَ من بينِ يدَيه أي قُدّامِهِ ومن خلفِهِ أي وراءِهِ يَحفظونَهُ من أمرِ أي من أجلِ أمرِ الله أي من أجلِ أن الله تعالى أمرَهُم بِحِفظِهِ فسبحانَ اللهِ القدير الذي أنعمَ علينا بِنِعَمٍ لا نُحصيها.
هدي محمد صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة عصا موسى
قال الله تعالى إخبارًا عن موسى عليه السلام ( قالَ هيَ عَصَايَ أتَوَكَّأُ عَلَيهَا وأهُشُّ بهَا على غَنمِي ، وليَ فِيها مَآرِبَ أُخرَى ) سورة طه 18 . أيَّدَ اللهُ تَباركَ وتعَالى الأنبياءَ الكرامَ بمعجزاتٍ باهراتٍ عظِيماتٍ كريماتٍ . ومنها ما أيّدَ به سيدَنا موسى عليه السّلام وهي عَصاه العَجِيبة . وردَ في أخبار هذِه العصَا التي كانت ءايةً باهرَةً أنها تَحوَّلَت بينَ يَدَي سيدِنا موسَى عليه السلام إلى حَيّةٍ حَقِيقيةٍ تَسعَى بإذنِ اللهِ وتَبتَلِعُ الحبالَ التي أوهَمَ سَحرَةُ فِرعَونَ لَعنَه الله الحاضِرينَ أنها ثَعابينُ.
وقيلَ إنّ هذه العَصا هَبطَ بها سيّدُنا ءادمُ منَ الجنّة وبقِيَت في الأرضِ إلى أن سلَّمها سيدُنا جبريلُ إلى سيدِنا موسى عليه السلام. وكان يتَوكّأ علَيها أي يَستَعينُ بها في المشيِ والوقوفِ. ويخبِطُ بها على أَغصَانِ الشّجَر ليَسقُطَ وَرقُهَا فَيَسهُلَ على غنَمِه تَناوُلهَا فتَأكُلَها. وإذا هَجم سَبُعٌ أو عدُوٌّ فإنها كانت تُقَاتِلُه وتحارِبُه وتُبعِدُه عنهُم وعنه علَيه السلام. وإذا ابتَعدَت بعضُ الغنَماتِ عن القَطِيع أعَادتهم إليه بإذنِ الله . وكانَت طُولُهَا عشَرَة أَذرُع. ومِن مَنافِعِها العَجِيبةِ أَنها كانَت تُماشِي وتحَادِثُ سيدَنا موسى علَيه السّلام في طَرِيقِه وتَجَوُّلِه. وكانَ لها رأسَانِ مُتَشَعِّبانِ مِنها، يُعَلِّقُ عَليها أحمَالَه مِن قَوسٍ وسِهَامٍ. ثم عندَما يَدخُلُ الليلُ كانَ رَأسَا العصَا يُضِيئَانِ كالشّمع. وكانَ إذا أرادَ أن يشرَبَ مِن بِئرٍ تَطُول العصَا بطُولِ البِئر مهمَا كانَ عَمِيقًا ويتَحوَّلُ رأسَاهَا إلى ما يُشبِهُ الدَّلْوَ فيَملؤه ويَشرَبُ مِنه.
وأما إذَا عَطِشَ في صَحراءَ ليسَ فيها بِئرٌ ولم يكن معهُ ماءٌ غَرزَهَا في الأرضِ فتَنبُع ماءٌ بإذنِ الله. فإذا رفَعها عن الأرضِ نضَبَ الماءُ. وكان إذَا اشتدَّ علَيه الحرُّ يَركُزُها فتَطُولُ شُعبَتَاها ثم يُلقِي علَيها كِسَاءَهُ ويَستَظِلُّ تحتَه. وإذا اشتَهَى ثَمرةً كانَ يَركُزُها في الأرضِ فتُورِقُ وتُثمِرُ بإذنِ اللهِ فيَأكُل منهَا ما طَابَ.
وكانت تَدفَعُ عنه حشَراتِ الأرضِ وهَوامَّها وهي حَيواناتٌ تُؤذِي كالعقَاربِ. وأَوّلَ مَرّة تحوَّلَت هذه العصَا إلى ثعبانٍ كانَ لها عُرفٌ كعُرفِ الفَرسِ وكان متَّسِعٌ فَمُهَا أَربَعينَ ذِراعًا وابتَلعَت كُلَّ ما مرَّت بهِ مِنَ الصُّخورِ والأشجار حتى سمِعَ سيدُنا موسى لها صَريرَ الحجَر في فَمِها وجَوفِها.
وأوحَى الله تعالى إليه أن يُدخل يدَه فيها تَقويةً لقَلبِه وإنها مُعجِزةٌ لهُ ولن تَضُرَّه. فأدخلَ موسى يدَه في فَمِها بينَ أَسنانها فعَادَت خَشَبةً كما كانَت. وهذا ليسَ سِحرًا لأنّ السِّحرَ يُفعَلُ مِثلُه وقد يأتي شخصٌ بسِحرٍ فيَأتيْهِ مَن يُعارِضُه بسِحرٍ أَقوى. أما هذا الأمر معجزةٌ من معجزاتِ الأنبياء.
ومن أكبر معجزات سيدنا موسى عليه السلام بهذه العصا أنه عندما خرج هو والمسلمين المؤمنون الذين هم من ذرية إسرائيل وهو يعقوب كانوا في أرض مصر التي كان يحكمها فرعون.
ولما وصل سيدنا موسى إلى شاطئ البحر أوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق البحر اثنتي عشر فرقا وكان كل فرق كالجبل العظيم وصار ما بين ذلك أرضا يابسة فاجتاز موسى ومن معه البحر فاجتازوا البحر وكانوا ستمائة الف فلما شعر بذلك فرعون وكان منشغلا بعيد لهم فسار ليدرك موسى ومعه مليون وستمائة ألف مقاتل حتى وصل إلى شاطئ البحر. وما أن خرج موسى وقومه ناجين بعون الله حتى عاد البحر وأطبق على فرعون ومن معه فغرقوا وسط الأمواج العالية .
اللهم اجعلنا هُداةً مَهديين واغفر لنا ذنوبنا، اللهم إنا نسألُكَ العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة يا أرحمَ الراحِمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - سورة الرعد 8، 9، 10[/b]