شرح حديث : صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة من صحيح البخاري
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } , قَالَ فِي التَّوْرَاةِ : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا ) .
ـــــــــــــــ
الشرح :
4461 - قَوْله : ( عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ )
تَقَدَّمَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى عَطَاء بْن يَسَار فِي الْبُيُوع أَيْضًا ، وَتَقَدَّمَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَة سَبَب تَحْدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بِهِ ، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة فَقَالَ " أَجَلْ إِنَّهُ لَمَوْصُوف بِبَعْضُ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآن " . وَلِلدَّارِمِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي صَالِح ذَكْوَان عَنْ كَعْب قَالَ " فِي السَّطْر الْأَوَّل مُحَمَّد رَسُول اللَّه عَبْدِي الْمُخْتَار " .
قَوْله : ( إِنَّ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الْقُرْآن ( يَا أَيُّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) قَالَ فِي التَّوْرَاة : يَا أَيُّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ) أَيْ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَّة وَمُبَشِّرًا لِلْمُطِيعِينَ بِالْجَنَّةِ وَلِلْعُصَاةِ بِالنَّارِ ، أَوْ شَاهِدًا لِلرُّسُلِ قَبْلَهُ بِالْإِبْلَاغِ .
قَوْله : ( وَحِرْزًا ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدَهَا زَاي أَيْ حِصْنًا ، وَالْأُمِّيِّينَ هُمْ الْعَرَب ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْح ذَلِكَ فِي الْبُيُوع .
قَوْله : ( سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّل ) أَيْ عَلَى اللَّه لِقَنَاعَتِهِ بِالْيَسِيرِ ، وَالصَّبْر عَلَى مَا كَانَ يَكْرَه .
قَوْله : ( لَيْسَ ) كَذَا وَقَعَ بِصِيغَةِ الْغَيْبَة عَلَى طَرِيق الِالْتِفَات ، وَلَوْ جَرَى عَلَى النَّسَق الْأَوَّل لَقَالَ لَسْت .
قَوْله : ( بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ ) هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِه تَعَالَى ( فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك ) وَلَا يُعَارِض قَوْله تَعَالَى ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) لِأَنَّ النَّفْي مَحْمُول عَلَى طَبْعه الَّذِي جُبِلَ عَلَيْهِ وَالْأَمْر مَحْمُول عَلَى الْمُعَالَجَة ، أَوْ النَّفْي بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْأَمْر بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا هُوَ مُصَرَّح بِهِ فِي نَفْس الْآيَة .
قَوْله : ( وَلَا سَخَّاب ) كَذَا فِيهِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَهِيَ لُغَة أَثْبَتَهَا الْفَرَّاء وَغَيْره ، وَبِالصَّادِ أَشْهَر ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا .
قَوْله : ( وَلَا يَدْفَع السَّيِّئَة بِالسَّيِّئَةِ ) هُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ) زَادَ فِي رِوَايَة كَعْب " مَوْلِده بِمَكَّةَ وَمُهَاجَره طَيْبَة وَمُلْكه بِالشَّامِ " .
قوله : ( وَلَنْ يَقْبِضه ) أَيْ يُمِيته .
قَوْله : ( حَتَّى يُقِيم بِهِ ) أَيْ حَتَّى يَنْفِيَ الشِّرْك وَيُثْبِت التَّوْحِيد وَالْمِلَّة الْعَوْجَاء مِلَّة الْكُفْر .
قَوْله : ( فَيَفْتَح بِهَا ) أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد ( أَعْيُنًا عُمْيًا ) أَيْ عَنْ الْحَقّ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ " أَعْيُن عُمْي " بِالْإِضَافَةِ ، وَكَذَا الْكَلَام فِي الْآذَان وَالْقُلُوب . وَفِي مُرْسَل جُبَيْر بْن نُفَيْر بِإِسْنَادٍ صَحِيح عِنْدَ الدَّارِمِيّ " لَيْسَ بِوَهْنٍ وَلَا كَسَل ، لِيَخْتِنَ قُلُوبًا غُلْفًا ، وَيَفْتَح أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَيُسْمِع آذَانًا صُمًّا ، وَيُقِيم أَلْسِنَة عَوْجَاء حَتَّى يُقَال لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ "
( تَنْبِيه ) :
قِيلَ أَتَى بِجَمْعِ الْقِلَّة فِي قَوْله : ( أَعْيُن ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلّ مِنْ الْكَافِرِينَ ، وَقِيلَ بَلْ جَمْع الْقِلَّة قَدْ يَأْتِي فِي مَوْضِع الْكَثْرَة وَبِالْعَكْسِ كَقَوْلِهِ : ( ثَلَاثَة قُرُوء ) وَالْأَوَّل أَوْلَى . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هُوَ نُكْتَة الْعُدُول إِلَى جَمْع الْقِلَّة أَوْ لِلْمُؤَاخَاةِ فِي قَوْله : ( آذَانًا ) وَقَدْ تَرِد الْقُلُوب عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّل ، وَجَوَابه أَنَّهُ لَمْ يُسْمَع لِلْقُلُوبِ جَمْع قِلَّة كَمَا لَمْ يُسْمَع لِلآذَانِ جَمْعُ كَثْرة .ـ