ديننا كلما عَجَنتْه المحن ازداد قوة وصلابة.. كلما محّصته النار نفض عنه الدَّخل وتمحّض ذهبًا خالصًا.. كلما تناوشته الخطوب طالت قامته ومضى إلى غايته بثقة تزلزل الجبال الرواسي.. كلما أحدقت به سكاكين الكراهية والبغضاء ازداد صحة وعافية... زرعًا يخرج شطأه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار.
وليس من قبيل المبالغة إذا خمّن المرء أنه ما من مرحلة من مراحل التاريخ اشتد الكيد لهذا الدين، وتكالب عليه الخصوم من كل مكان، وحرّض المحرّضون، كالمرحلة الراهنة التي يُراد فيها للإسلام أن يفقد كل قدراته الفاعلة، وأن يغدو حملاً وديعًا لا حول له ولا طَوْل.
إنهم يسعون إلى تجفيف منابعه الدعوية والحركية والتربوية والفكرية والمالية؛ لكيلا يبقوا له شيئًا على الإطلاق.
إنهم يؤلبون عليه الأعداء والأصدقاء، وهم يتداعون من كل مكان، بالصيحة نفسها: حجّموا هذا العملاق.. حاولوا أن تقزّموه.. أن تجرّدوه من كل قدرة على الفعل، وأن تحبسوه في الصوامع والمساجد لا يغادرها إلى الحياة أبدًا؛ الأرصدة المالية.. المؤسسات الخيرية.. الأنشطة الدعوية.. المدارس الدينية كلها يجب أن تُقفل، ويوضع على أبوابها الشمع الأحمر؛ لكي لا يجرؤ أحد على كسر الأقفال والدخول.
للوهلة الأولى.. للنظرة السريعة.. للحسابات الساذجة.. يبدو أن الإسلام قد هُزم إزاء أعتى موجه مضادة في تاريخه على الإطلاق، ولكن الأمر في حقيقته خلاف ذلك كله.
فالإسلام ازدادت قامته ارتفاعًا.. وهو منذ بداياته الأولى كان يتألق ويزداد فاعلية وعطاء كلما ادلهمت الخطوب، وتناوشته التحديات.