الموقف التاسع
بنـــاء المسجـــد
أول خطوة خطاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك هو إقامة المسجد النبوى . ففى المكان الذى بركت فيه ناقته أمر ببناء هذا المسجد , واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه , وساهم فى بنائه بنفسه , فكان ينقل اللبن والحجارة ويقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
وكان ذلك مما يزيد نشاط الصحابة فى البناء حتى إن أحدهم ليقول :
لئن قعدنا والنبى يعمل لذاك منا العمل المضلل
وكانت فى ذلك المكان قبور المشركين , وكان فيه خرب ونخل وشجرة من غرقد , فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين فنبشت , وبالخرب فسويت وبالنخل والشجرة فقطعت , وصفت فى قبلة المسجد , وكانت القبلة إلى بيت المقدس , وجعلت عضادتاه من حجارة , وأقيمت حيطانه من اللبن والطين , وجعل سقفه من جريد النخل , وعمده الجذوع وفرشت أرضه من الرمال والحصباء , وجعلت له ثلاثة أبواب , وطوله مما يلى القبلة إلى مؤخرة مائة ذراع , والجانبان مثل ذلك أو دونه , وكان أساسه قريباً من ثلاثة أذرع .
وبنى بيوتاً إلى جانبه , بيوت الحجر باللبن , وسقفها بالجريد والجذوع , وهى حجرات أزواجه - صلى الله عليه وسلم - , وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها من بيت أبى أيوب .
ولم يكن المسجد موضعاً لأداء الصلوات فحسب , بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته , ومنتدى تلتقى وتتآلف فيه العناصر القبلية المختلفة التى طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية وحروبها , وقاعدة لإدارة جميع الشئون وبث الانطلاقات , وبرلماناً لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية .
وكان مع هذا كله دار يسكن فيها عدد كبير من فقراء المهاجرين اللاجئين الذين لم يكن لهم هناك دار ولا مال ولا أهل ولا بنون .
يا حبيبي يا رسول الله