هذه مقالة كُتبت في سجن "الرويس" شوقاً الى الجنة، ورغبة في الدار الاخرة وحباً في ادراك منازل الانبياء والصالحين والشهداء وحسن اولئك رفيقاً، وها نحن ننشرها كما هي..
*****
الحمد لله كما أمر، والصلاة والسلام على خير البشر.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت يارب سهلاً، اللهم سهّل علينا أمورنا واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم نلقاك بها يارب يوم الدين.. آمين.. آمين.. آمين... وبعد...............
اخوة الايمان
قال تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد.. الآية}.
الدنيا لاتزن عند الله جناح بعوضة، هزيلة، زهيدة، فهوِّنوا من شأنها وارفعوا أنفسكم عنها.. لعب ولهو وزينة.. وتفاخر وتكاثر.. فليس السباق فيه بسباق يليق بمن شبُّوا عن الطوق.. وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال الصغار!! إنما السباق الى الأفق، والى ذلك الهدف، والى ذلك الملك العريض: {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض.. الآية}.
مطلبٌ يستحق المنافسة، وأفق يستحق السباق، وغاية تستحق الغلاب {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. الآية}.
إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام، والوحوش والأنعام، فأما الحياة الآخرة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم على الذي خلقه فسوّاه وأودع روحه الإيمان الذي ينزع به الى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه
اخوة الايمان..
هلمُّوا الى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام، لانصب، ولا تعب، ولا معاناة.
إنها الجنة.. التي حولها دندن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. إنها الجنة.. التي اشتاق اليها الصالحون من هذه الأمة.. فاسألوا عنها السيد الشهيد جعفر الطيار رضي الله عنه الذي قال شوقاً اليها يوم مؤتة.....
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
إنها الجنة.. بأنفاسها الرضية الندية التي تتحلى عليها طلعة الرحمن الجلية البهية.. إنها الجزاء الرفيع الخالص الفريد.. الجزاء الذي تتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة والاعزاز الذاتي.. والإكرام الإلهي، والحفاوة الربانية بهذه النفوس الأبيَّة.. {فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفِيَ لهم من قرة أعين جزآءً بما كانوا يعملون.. الآية}.
إنها الجنة.. فاسألوا عنها الصحابي الجليل حَرَامُ بن ملحان رضي الله عنه لما طُعن نثر الدم على رأسه وهو يقول: (فزت ورب الكعبة).
وهذا سيد بني سلمة؛ عمرو بن الجموح رضي الله عنه لما كان يوم أُحد قال صلى الله عليه وسلم: (قوموا الى جنة عرضها السماوات والأرض)، فقام وهو أعرج فقال: (والله لأقحرنَّ في الجنة.. الحديث).
وسّلُوا عنها أنس بن النضر رضي الله عنه فإنها الجنة.. يقول لسعد بن معاذ: (واهاً لريح الجنة أجده دون أُحد.. الحديث).. اُوَّاهُ يابن النضر.. طال شوقكم الى الجنة.. وطهرت منكم الأقوال والأعمال والأجساد فشممتم عبير الجنة!! أما نحن فقد زكم أنوفَنا عطر الكاسيات العاريات.. وجيف الدنيا ونتن المعاصي.. فلم يجد ريح الجنة اليها سبيلاً.
تسعى بهم أعمالهم سوقاً الى الـ ـدارين سَوْقَ الخيل للركبان
صبروا قليلاً فاستراحوا دائماً يا عزة التوفيق للإنسان
باعوا الذي يفنى من الخزف الخسـ ـيس بدائم من خالص العقبان
وتَسَابَقَ الأقوام وابتدروا لها كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينى في الديار مخلَّفٌ مع كله ياخيبة الكسلان
إنها الجنة.. لله أقوام نهضت بهم عزائمهم نحوها فسروا إليها مدلجين لم ينزلوا بشئٍ من منازل الطريق.. (إنما أنا كعابر سبيل استظل تحت شجرة ثم قام عنها.. الحديث).. وأقّبلوا على السير الى غايتهم تحدوهم أشواقهم قاصدين اليها غير متعثرين ولا معوجين.. ما ضَّرهم في الدنيا ما أصابهم.. جبر الله لهم بالجنة كل مصابهم..
نام عبد الواحد بن زيد عن ورده فإذا هو بجاريه لم يرَ أحسن منهاً وجهاً عليها ثياب حرير خضر وهي تقول: يابن زيد.. جِدَّ في طلبي فإني في طلبك..
ياخاطب الحور الحسان مطالباً لِوِصالهنَّ بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن طلبـ ـت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلت السعي منك لها على الأجفان
اخوة الايمان
على هذا فلنبك ولننتحب.. لا على أعتاب الحكام والسلاطين كما يقول المطبلون السدنة..
قال يحيى بن معاذ: (في طلب الدنيا ذل النفوس، وفي طلب الأخرة عز النفوس، فيا عجباً لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى ويترك العزة في طلب ما يبقى).
وعن يزيد الرقاشي قال: (بلغنى أن نوراً سطع في الجنة لم يبق موضع في الجنة إلا دخل ذلك النور فيه فقيل ما هذا؟ قال: حوراء ضحكت في وجه زوجها).
أنا ما حسدت الكافرين وقد غدوا في أنعم ومواكب وقصور
بل محنتي ألاّ أرى في أمتي عملاً أقدمه صداق الحور
إنها الجنة.. فيها جوار الرحمن، وأنبيائه والشهداء، والصالحين: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.. {وجوه يومئذٍ ناضرة الى ربها ناظرة}.. وانظروا الى من كَمُلَت من النساء تقول: {رب ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة}... قبل الدار طلبت الجوار..
أوَّاه.. أوَّاه.. يا إخوة الايمان على جوار الرحمن في مقعد صدق..
وا شوقاه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والى أصحابه من المهاجرين والمدلجين على دربهم في القافلة هم أصلي وفصلي.. وإليهم يحنّ قلبي.. طال شوقنا إليهم..
اللهم يا واهب المواهب، ومحول الرغائب، نضِّر بالكمال لديك بهجتنا بالنظر اليك في دار رحمتك.. اللهم.. يا مانح الأصفياء منازل الحق أخلصنا بكمال رغبتنا و بما لا يبلغه سؤالنا.. اللهم.. أورثنا الغُرف وجوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وحسن أولئك رفيقاً..
قالت ام البنين أخت عمر بن عبدالعزيز: (البخيل كل البخيل من بخل عن نفسه بالجنة).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً